كان لي لقاء عفويّ مباشر عبر أثير إذاعة الرياض قبل سنوات مع استشاري متخصص في أمراض القلب، وهو الدكتور محمد علي فودة. كان ذلك في برنامج “صباح الخير من الرياض” بمناسبة إجراء الدكتور فودة عملية في قلب يقع في الجانب الأيمن لرجل مسنّ! كان الهاجس الأدبي يلح عليَّ أثناء الحوار، فتقدمت إلى الدكتور بسؤال عن كلمة (قلب) في الشعر العربي ودورانها على ألسنة الأدباء وهل استطاع أيٌ منهم الوصول إلى بعض الحقائق العلمية في جراحة القلب وعمله وارتباطه بالأعضاء الأخرى؟
وكانت إجابة الدكتور عامة بحسب ما يسمح به وقت البرنامج، بحيث أوضح أن القلب آلة لضخّ الدم في أنحاء الجسم، ولكن لا يملك أداة التفكير وتوجيه الانفعالات كما يصور ذلك الشعر..
وكان هذا الحوار حافزًا لي للعودة إلى ديوان الشعر العربي للتعرف على مفهوم الشعراء لعمل القلب، وذلك باختيار نماذج من الشعر لبعض الشعراء من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث.
ففي العصر الجاهلي نجد بعض الشعراء ينظرون إلى القلب على أن له حالتين: غفوة وصحو؛ ولذلك نرى حاتم الطائي يقول: ” صحا القلب من سلمى وعن أمّ عامر”(1)، وكذلك عند زهير بن أبي سلمى القائل: “صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله” (2) ، وبمرور الأيام أصبحت هذه الكلمة لازمة عند بعض الشعراء يستحسنون بدء قصائدهم بها ، فها هو الأخطل في العصر الأموي يقول : ” صحا القلب عن أروى وأقصر باطله” (3)، ويتابعهم ابن عبد ربه من شعراء الأندلس حين يقول: “صحا القلب إلا نظرة تبعث الأسى”(4)، غير أننا نلاحظ أن ابن عبد ربه لم يذكر اسم المحبوبة كما فعل سابقوه . ومن هنا أصبح ذكر ( القلب ) في الاستشهادات السابقة لا يرتبط بالانفعالات بقدر ما أصبح لازمة أسلوبية وحسب.
ومن الطريف أن بعض الشعراء خلعوا على القلب صفات مستمدة من حواس الإنسان، وبالذات السمع والبصر والكلام. يقول المثقب العبدي متسائلاً:
هل لهذا القلب سمع أو بصر *** أو تناهٍ عن حبيب ُيدّكر ؟ (5)
ويربط الأقيشر الأسدي بين عمى القلب والبخل في قوله :
رأيتك أعمى العين والقلب ممسكًا *** وما خير أعمى القلب والعين يبخل ُ !(6)
ووصف بعض الشعراء أمراض القلب بأنها شبيهة بتلك الآلام التي يحس بها الملدوغ، وألمح إلى تكرارها على المريض، وكأنما يشير إلى من يشكون من انسداد في بعض الشرايين. يقول عبيد بن الأبرص:
فقد أورثت في القلب سقمًا يعوده *** عيادًا كسُمّ الحية المترددِ (7)
أما العباس بن الأحنف فيهدد محبوبه بأن قلبه لو تكلم لجأر بالشكوى فيقول :
عذبتَ بالجفوة قلبي فلو *** تكلم القلب بشيء شكاك (8)
ومن الشعراء من أشار إلى شدة خفقان القلب عند الانفعال الشديد، وبالذات الحزن؛ ولذلك نرى أبا العلاء المعري يقول:
وكيف يقر قلب في ضلوع *** وقد رجفت لعلته البلادُ ؟؟ (9)
ومن الملفت للانتباه أن بعض الشعراء ألمح إلى ضرورة العيش بقلبين في حالات العشق الشديدة كما نرى ذلك في قول ابن سهل الأندلسي :
يا عاذلي ذرني وقلبي والهوى *** أأعرتني قلبًا لحمل شجوني؟؟(10)
وفي حالات الفرح الشديد، أو الإعجاب والدهشة تخفق الضلوع ويزلزل القلب كما في قول أحمد شوقي واصفًا غاب بولونيا:
خفقت لرؤيتكَ الضلو *** عُ ، وزلزل القلب العميد ُ(11)
وبعد ، فهل يتكرم أطباؤنا المختصون في جراحة القلب بإعادة النظر في هذه النماذج، ومن ثمّ الإجابة عن السؤال المطروح في مستهلّ هذه المقالة؟؟
(1) ديوان حاتم الطائي ، تحقيق وشرح كرم البستاني ، ط2، بيروت: دار المسيرة ، 1982م ، ص 75 .